إن الحديث عن " تنظيم القاعدة " يشبه التقاط صورة فوتوغرافية لحركة ظلال في منطقة شبه مضاءة.
فهو تنظيم ، ولكن خارج المفهوم التقليدي للتنظيم . هو تنظيم دولي ولكن من غير مركز رئيسي ، أي قيادة مركزية تخطط وتدير كل فروع التنظيم .
ومن بديهيات التنظيم الاجتماعي ، انه عملية إدارية لكل فعل ... نشاط سوسيو – سياسي اقتصادي... الخ فلا بد من وجود مراتب إدارية / قيادية هرمية تؤدي وظائف محددة في عملية تكاملية تصب في خدمة الهدف الاستراتيجي للجماعة المعنية ... التنظيم المعين .
بيد إن هذا التنظيم ، لا يبدو كذلك ، والظاهر انه فكرة تنبت بذورها وتنمو حيث تجد التربة والمناخ المناسبين (= الحاضنين )- ثقافيا وسوسيو- - سياسيا وبالتالي كل نبت لبذرة الفكرة ينتسب إليها ، بانفصال عن صاحب الفكرة ومركزها – إن كان لها مركز عند الولادة – فالفكرة – اليوم – تنظيمات مستقلة تنتشر – كمراكز – في المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية وفي العراق ... الخ .
وكل مركز حدد عدوه ، وفق خصوصيات محيطه وذلك لا ينفي وحدة الفكرة الجهادية ، ذات الجذر الديني السياسي السلفي التكفيري الذي يتصادم مع قيم الحاضر ويرى في استعادة الماضي المخرج الوحيد للأمتين العربية والإسلامية من ضعفهما ومتخلفاتهما ، فعودة الخلافة الإسلامية هي مستقبلنا ( = الماضي مستقبل المسلم ). ولا ننسى في هذا المضمار ، دور الأنظمة السياسية العربية التي احتضنت العرب الأفغان العائدين من حربهم ضد " الخطر لاحمر " في أفغانستان لتوظيفهم ضد خصومها ، كما جندتهم قبلا للجهاد ضد " الخطر لاحمر ".
وجدير بالإشارة - في هذه الظاهرة – إلى إن التطرف والإرهاب الديني في العالم الإسلامي ليس أفلتة .. طفرة شاذة منفصلة عن حقائق التطور التاريخي للمجتمعات على الصعد الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية . أي ان ثمة جذور ودوافع ذاتية وموضوعية بعثت وساهمت في الاستجابة الاجتماعية لنمو هذا الفكر ، بعد خيبات الأمل في الثورات التحررية ، التي فشلت في تحقيق تطلعات الشعوب ، وتحولت إلى سلطات أمنية قامعة ومصادرة للحقوق والحريات المدنية ... الخ .
إن ما أطلق عليها " الصحوة الإسلامية " بحاجة إلى دراسة أسباب اتخاذها مسارا سياسيا عنيفا ، ولم يكن تواصلا منتجا للإصلاح الديني المستنير الذي تبناه المصلحون الدينيون مثل الكواكبي والأفغاني ومحمد عبده .
إما الانشغال " بالقاعدة " كظاهرة إرهابية باستقلال تام عن شبكة العلاقات الجدلية بين الأسباب والنتائج ، والدوافع والمحركات الداخلية ... الخ إن ذلك يمثل - عقلا – توجيها منهجيا هادفا ، لخوض معركة / حرب مع خطر عالمي يتم تضخيمة بالتركيز على الخطر المتمثل ب " القاعدة " ،وهو تهويل يمد القاعدة بالحياة ، كونه يصر على منازلة الخطر بعيدا عن جذره الموضوعي .. عن محفزاته الذاتية ومبرراته وحججه بشان الأخر ، فضلا عن حقيقة التوظيف السياسي للدين في سنوات الحرب الباردة التي يجري تغييبها بوعي حتى لا تؤثر على الصورة المشكلة لخطر جديد يحل محل " الخطر لاحمر ".
التوظيف السياسي للدين
إن التوظيف السياسي للدين ، أمر عرفته كل الأديان ، ومنها ديننا الإسلامي الحنيف ، فتاريخ الصراعات السياسية بين القوى والفرق الإسلامية السياسية والمذهبية ، اتخذت من المقدس مرتكزا للصراع السياسي والفكري فضلا عن توظيف الدين للنيل من الخصوم بإلصاق تهم الكفر والزندقة والمجون ... الخ كل بالأخر ...وهذه الظاهرة اتخذت في عصرنا الراهن منحا تكفيريا عنيفا بين الجماعات الإسلامية من جهة وبينها والمجتمعات العربية والإسلامية من جهة أخرى .
عموما ... إن الحقيقة المرتبطة بموضوعنا تتعلق بالتوظيف الدولي للدين في مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب حيث جرى تجنيد المقدس الإسلامي ، عبر قواه المحافظة لمواجهة مد الفكر القومي العربي ، وضد ما اسماه الغرب " الخطر لاحمر " – الشيوعي – [ = واليوم - في أتون الحرب ضد ما يسمى " الإرهاب ، نجد العرب أنظمة ومؤسسات دينية ينتقلون من حربهم ضد الخطر الشيوعي إلى دخول معركة أخرى مع عدو مختلق هو " الخطر الشيعي " ؟!!! ] .
وبالتأكيد كان تجيش جماعات التطرف إلى " أفغانستان " – كمجاهدين ضد الشيوعية – اجلي صورة دراماتيكيا الاستغلال غير الأخلاقي للدين في الصراعات السياسية وبسط الهيمنة والنفوذ ، دون تقدير لنتائج توظيف الفكر غير السوي في الصراعات ، لان الفكرة لا تموت بموت صاحبها .وبما إن التوظيف للديني كان مرحليا ، فان المسيَر ( - المتبني لفكرة التوظيف ) ما أن انتهت الحرب الباردة ، سرعان ما استغنى عن المستخدمين ، ولان الغرب – السلطات –بحاجة إلى عدو جديد ولو وهمي فقد شرع يشكل ويصيغ شكل ومضمون العدو منذ نهاية حكم الرئيس جورج بوش الأب ، فكان المجاهدون - عند الحاجة – المدعومون غربيا ، هم العدو بصورة " الإرهاب ".
ومعلوم بان " صنعاء " والرياض ابرز عاصمتين عربيتين تعاطت مع أجندة الغرب اثنا الحرب الباردة فوفرت القاعدة المادية (= المالية والتعليمية ) لجماعات التطرف الديني ، حاملة الفكر الجهادي وكانت الجمهورية العربية اليمنية أكثر الدول العربية احتضانا لذلك الفكر كما سنبين أدناه .
القراءة غير الموضوعية للإرهاب في اليمن
إن مما يحز في النفس .أن يسهم الإعلام العربي المرئي والمسموع والمقروء في القراءة غير الواقعية في إقليم إشكالي اسمه " اليمن " بما هو مفهوم منحوت من اللغة يعني الجنوب . حيث تتم عملية تغييب بالجملة من الحقائق المهمة ، التي بدونها يستحيل فهم جذور وقاعدة الإرهاب الفكرية والاجتماعية والسياسية في ( اليمن ) الذي أدى مشروعه السياسي الفاشل عام 1990 م إلى إعادته بين شقي رحى دورة تاريخية جديدة المتجلية بقوة بصورة الحروب والدمار منذ عام 1994م ولفهم ظاهرة الإرهاب في هذا الإقليم الذي انتصرت فيه اللادولة على الدولة ، والقبيلة على المجتمع المدني لابد من الإقرار بالحقائق التالية :
1- ضرورة التمييز بين مرحلتين تاريخيتين مهمتين : الأولى : مرحلة ما قبل مايو 1990م حيث [ اليمن ] يتكون من إقليمين سياسيين مستقلين منذ قرون طويلة .، والثانية : هي المرحلة اللاحقة لإعلان مشروع الوحدة السياسية الفاشل بين " ج.ي.د.ش " وال " ج.ع.ي " في 22 مايو 1990م المشؤم .
ففي المرحلة السابقة لعام إعلان الوهم الوحدوي كان ثمة دولتان مستقلتان ذات سيادة ونظامان سياسيان مختلفان اختلافا جذريا . فدولة " ج.ي.د.ش" بنظامها القائم على الفكر الاشتراكي ، كانت هدفا مركزيا من أهداف جماعات التطرف الديني في الوطن العربي كله ، ومن قبل جماعات التكفير المتشددة الموظفة من قبل الغرب والأنظمة العربية الدائرة في فلكه ضد الأنظمة غير الدائرة في فلك المصالح غير الغربية و" ج.ي.د.ش" في صدارة الأنظمة المستهدفة ، كدولة شيوعية مارقة – يومئذ والى شن الحرب عليها واحتلالها عام 1994م عسكريا .
2- إن خطة التوظيف السياسي للفكر الديني المتطرف منذ ما اسمي " الخطر لاحمر " ومناطق نفوذه الإيديولوجي ، قد استدعت بنا قاعدة مادية ممولة تمثلت في بنا شبكة معاهد دينية ،/ عرفت باسم " المعاهد العلمية " في الجمهورية العربية اليمنية تقوم على منهج تكفيري ، لمواجهة المد الشيوعي القادم من دولة الجنوب . كما تم توظيف جماعات الإسلام السياسي لمواجهة الجبهة الوطنية التي دخلت في صراع سياسي وعسكري مع سلطة صنعاء كقوة مقاتلة وحاملة لايدولوجيا دينية ، تقاتل على جبهة الوعي كما تحارب بالسلاح وقد بلغ دور الإسلام السياسي في ألمستوى التفرد بالدعاية ضد دولة ونظام " ج.ي .د " في الأوساط الشعبية والقبلية الشمالية حيث استطاعت بواسطة المقدس الديني ان توصل القناعة لدى جمهور القبائل الكبير بان نظام دولة الجنوب ، نظام بوهيمي لا يفرق الإنسان بين الحلال والحرام ، فالأب يتزوج على ابنته مثلا . وغير ذلك من المزاعم المشنعة . ( = حدث كاتب هذه السطور شاب حاشدي عام 2005م بان ذلك الاعتقاد عند الكثير من إفراد القبيلة مازال قائما ) .
بعد إعلان مشروع الوحدة السياسية الفاشل اقر مجلس النواب قانونا لتوحيد التعليم عام 1992م بيد ان تنفيذه لم يتم ، لمعارضة حزب الإصلاح الديني للقانون وتواطآ سلطة صنعاء معه ، ضمن التحالف الاستراتيجي بينهما ضد الشريك الجنوبي المخدوع في مشروع وحدوي تحول الى فخ لابتلاع ،كما اتضح ذلك في تحالف احتلال دولة الجنوب عام 1994م . وجدير بالتنويه – في هذا الصدد – ان ما كانت تعرف بالمعاهد العلمية ، كانت عبارة عن دائرة مستقلة في وزارة التربية في " الجمهورية العربية اليمنية "موازنتها بالمليارات ، ولا تخضع لإشراف الوزارة . وبعد حادث تفجير المدمرة كول تم دمج تلك المعاهد وموظفيها في أطار وزارة التربية والتعليم .
3- في السياق ذاته كان الشباب المهاجرين من دولة الجنوب واو لائك الذين نزحوا لأسباب سياسية او اقتصادية الى السعودية او الى الجمهورية العربية اليمنية معظم أولائك الشباب ، كانت كانت تتم عملية استقطاب لهم الى مدارس الفكر الجهادي ولجماعته بهدف تجنيدهم ضد دولة الجنوب ونظامها الموصوم يالالحاد . وجلهم هم أولائك هم الذين تم تجنيد معظمهم الى أفغانستان وعادوا ليظهروا في الجنوب لاسيما في أبين وشبوه ولحج ، وما عرف باسم "جيش عدن ابين " مابعد عام 1990موالذين ولج معظمهم في صراع مع السلطة في صنعاء ، عقب حرب احتلال الجنوب في 7/7/1994م بسبب نكثها بوعودها مع تلك الجماعات قبل الحرب .
4- ان سلطة صنعاء هي التي احتضنت ( المجاهدين !!) العائدين من " أفغانستان " والذين عرفوا " بالعرب الأفغان " وجندتهم ضمن حملة الإرهاب الفكري والديني والسياسي والتصفوي ضد الشريك الجنوبي في مشروع الوحدة / الوهم ، فقاموا بعمليات تفجير منشات وتصفية قيادات وكوادر الجنوب ، وصولا الى إطلاق صواريخ ال R B G على غرف نوم قيادات جنوبية في صنعاء كما حصل لرئيس مجلس النواب ( د ياسين سعيد نعمان) إثناء الفترة الانتقالية . ولم يتم القبض على واحد من منفذي عمليات الإرهاب لا قبل حرب 1994م ولا بعدها ، لأنهم كانوا وما برحوا يتحركون تحت عباءة السلطة التي ، التقت مصلحتها – يومئذ – مع هدف قوى الإسلام السياسي الجهادية وتلك المنظمة في أحزاب سياسية ( = جميعها تأسست وتنامت في الجمهورية العربية اليمنية ) في التخلص من الشريك السياسي الجنوبي في مشروع الوحدة السياسية الفاشل ، كهدف قديم - جديد للطرفين ، وان تجلى ان لكل طرف غاياته المابعدية الخاصة ، لا سيما عند انفراط عقد " التحالف الاستراتيجي " بين سلطة صنعاء والقوى الإسلامية بشقيها مما ادى الى حالة من المواجهة حينا وحالة من التفاهم الخفي والمعلن حينا أخر وبالذات ما بعد عام 1997م . وهل يقبل عاقل على كوكبنا صحة حفر نفق من السجن الى خارجه بملاعق الأكل ، وحتى بأدوات أخرى ، دون ان يعرف حراس السجن فيهرب[ 23 معتقلا ] من قيادات القاعدة ؟؟ لماذا معتقلو القاعدة وحدهم يتمكنون من الهرب من السجون دون غيرهم ؟؟ !! .
5- ان من يريد إدراك حقيقة التطرف الديني وفكره الجهادي في هذا الإقليم فانه يستطيع ان يجد الإطار السياسي والثقافي والسياسي الحاضن والقابل له من خلال الاضطلاع على أرشيف الخطابين السياسي والإعلامي خلال الفترة الانتقالية ( ما بعد اعلان 22/5/1990 م المشؤم) حيث يمكنه الاضطلاع على حملة الإرهاب الفكري والإعلامي والديني – ناهيك عن التصفوي الموجهة ضد الجنوب : الدولة ..الثورة والتاريخ والعقيدة بصورة مختلفة : تشهير وإساءة وافتراءات وتقبيح كلما هو جنوبي فضلا عن الفتاوى الدينية الإباحية ... الخ . اشترك فيها طرفي التحالف الجهوي الاسترا- شيطاني وهو دليل ضمن جملة أدلة عن مصدر وحضانة التشدد الديني التكفيري . لان من بديهيات الأمور ان يكون المستهدف من الإرهاب هو الرافض له ، وهو – هنا – دولة وشعب الجنوب في مرحلتي ما قبل وما بعد عام 1990م .
6- ان سلطة صنعاء هي التي جندت – أيضا – جماعات التطرف والإرهاب في حربها العدوانية الغادرة لاحتلال دولة الجنوب ، ضمن تحالفها الاستراتيجي مع قوى الإسلام السياسي ، التي وظفت توظيفا منهجيا مخططا لتعبئة جيش وشعب الجمهورية العربية اليمنية لخوض الحرب اللا أخلاقية ضد دولة الجنوب الشريك المقدور في مشروع وحدة سياسية ولد ميتا حيث :
أ – استخدام مشايخ وقادة قوى الإسلام السياسي في التعبئة الدينية لقوات " ج. ع. ي" في المعسكرات وتعبئة المواطنين في المساجد وغيرها ، فالشيخ عبد المجيد الزنداني فتحت إمامه المعسكرات ليقوم بالتعبئة الدينية للمقاتلين مشرعنا حربهم – دينيا – وكان انك وفى بعد احتلال / فتح "عدن " ببنا جامعة دينية مستقلة هي " جامعة الإيمان " ، ذات النظام التعليمي المتميز .فمن ومن أين تمول ؟؟ ! .
ب – جند الجهاد يون ومليشيات وشباب حزب الإصلاح في حرب احتلال الجنوب عام 1994م ، كفاتحين ، لنشر الإسلام في دولة مارقة جاهلة (شيوعية ) .
ج - إصدار الفتاوى الدينية المشرعنة للحرب ضد شعب الجنوب وأشهرها فتوى الحرب سيئة السمعة التي أحلت الأرض والعرض والدم الجنوبي وعرفها العالم كله . وهي الفتوى الدينية التي مابرحت تمارس في الجنوب المحتل بصورة السلب والنهب للحقوق الخاصة والعامة والقتل والسفك للجنوبيين بدم بارد .. فتوى الإحلال والاستحلال والإباحة لكل ما هو جنوبي ، تحول دون تحول الفاتحين للعقاب .
د – قام الجنوبيون المنتمون الى قوى الإسلام السياسي في الجنوب ، بدور الطابور الخامس إثناء حرب احتلال الجنوب ، وبعد الحرب تسلم الجهاد يون في الجنوب مواقع قيادية في الجيش والأمن السياسي والإدارة المحلية ، حتى عام 1997م حين بدأت سلطة القبيلة في صنعاء بانقلابها الأبيض ضد حليفها الاستراتيجي في الحرب الظالمة وفرض ماهو أسوى على الجنوب .
7 – ان صنعاء وليس " عدن " تحتضن جماعات الفكر التكفيري ، وتصدرهم الى الخارج منذ تسعينيات القرن الماضي . إما " عدن " فكانت احد أهداف تلك الجماعات حتى تم فتحها !! عام 1994م لتغدو غنيمة وفيدا للفاتحين حتى اليوم .
8 – ان جماعة " الشباب المؤمن " ( = الحوثيون ) فيما بعد كانت صنيعة سلطة صنعاء ، باعتراف أعلى هرم قيادي فيها .. ماذا كان يراد من تبي تلك الجماعة التي تحولت إلى قوة شعبية مقاتلة تخوض الحرب السادسة الأطول والأكثر اتساعا ودموية ودمار ؟؟ - الإجابة ماتت ربما مع مؤسس الجماعة حسين الحوثي - .
9 – ان سلطة صنعاء كثيرا ما تلجا الى مشايخ الدين وفتاواهم ، كسلاح مقدس لمواجهة الخصوم ، ولتشريع جرائمها ولا شرعية اجراتها .وهذا يجلي بوضوح بنية الفكر السياسي لسلطة قبلية ولقبيلة سلطة ، التي تحتمي بالدين للدفاع عن هيمنتها السياسية والاقتصادية .
10 – غياب الدولة في صنعاء ، كحقيقة تاريخية وراهنة يمثل التربة الصالحة لهيمنة الفوضى الهمجية وثقافة القوة ، الأمر الذي يوسع دائرة الظلم والجور واللامواطنة ، بل والتمييز العنصري في الحقوق ويمثل غياب الدولة هو عامل اضطراب والمنتج لخطر الإرهاب وتكاثره ولعوامل الفساد والخراب وفقدان السيادة والسيطرة فشعب الجنوب منذ عقد ونيف غدا مشطوبا ليس من خريطة الحقوق والمصالح وحسب ، بل ومن خريطة الوجود ، حيث يتعرض الى عملية طمس ممنهج لهويته ومحو وجوده ، ليغدوا شعبا مستلبا غريبا على أرضه لايشعر بالانتماء الى شيى يستحق ان يعيش من اجله وبعد ما عطلت كفاءات وقدرات أبناءه بحرمانهم من العمل وحرمانهم من ثروات أرضهم ، ومعلوم بان تحقيق المرء لمكانته الاجتماعية ودوره السياسي والاجتماعي لا يتم الا من خلال العمل .. واذا خدع شعب الجنوب بهزيمة الدولة من قبل القبيلة ، غدا غير قادر على العيش بلا دولة ، ومحيل يقاوم الدولة تاريخيا أفضى الى تصادم ثقافتين – هويتين... الخ .
ان حملة الحقائق السالفة الذكر ، وما لم نذكرها ، تقتضي من كل من يتناول قضية الإرهاب في [ اليمن ] المنقسم اليوم انقساما اشد كارثية من انقسامه التاريخي ، ان يعود أليها ليفرق بين مصدر وحاضن الإرهاب والمستفيد منه ، وبين الطرق الأكثر تضررا من الإرهاب وسلطة احتضانه ، السياسية في صنعاء .
ومما ينبغي التنويه اليه ان ثمة مرحلة ثالثة ، هي نتيجة للمرحلة التاريخية الثانية التي أفضت الى انقسام أخر ، جعل من وهم الوحدة القومية العربية ، الذي تحول الى فاجعة إنسانية في الجنوب – الدولة المحتلة ، جعل من ذلك الوهم المنهار حالة طلاق ابدي مع فنطا زيا الوحدة أي انقسام بين غالب ومغلوب ، غانم وغارم ، طرف مهيمن بنزوع تدميري شامل للأخر وطرف خاضع لتدمير ممنهج نهض دفاعا عن هويته وحقه في البقاء ، رافعا قضيته الوطنية الجنوبية كحق غير قابل للتقادم في حركة شعبية تحررية تناضل سلميا لإنهاء احتلال بدائي الثقافة سيئي النزوع ألتدميري . بمعنى أخر : ثورة الجنوب السلمية ، هي ثورة شعب ودولة تكالب عليها قوى التخلف وإعادة إنتاجه ، قوى ماضية الثقافة هي قوى القبيلة وقوى الإسلام السياسي السلفوي بجناحيه الجهادي والسياسي ( = كلاهما يلتقيان في هدف العودة الى الخلافة الإسلامية ومعاداة علمانية الدولة والديمقراطية السياسية ...الخ ) . ومثلما كانت الفتوى قبل الاحتلال لدولة الجنوب عسكريا ، غدت مع توسع دائرة المقاومة الجنوبية للاحتلال في حركة شعبية واسعة عادت الفتوى الدينية بصيغة " الوحدة : عقيدة ودين " و " الوحدة : ثابت مقدس " وكأنها نزلت من السماء ، ولم يصنعها بشر .. أي ان التوظيف السياسي للفتوى الدينية يشكل جوهرا في بنية ثقافيو سلطة صنعاء القبلية .. بوليسية ، اقل ما توصف أنها إرهاب دولة منظم ، زد الى الدعاية الإعلامية التضليلية غير الأخلاقية ، وتوظيف سلاح الدين للنيل من ثورة الجنوب السلمية وحق شعبه في الحرية والاستقلال .
ان شعبنا يناضل من اجل حريته واستقلاله ، يستعيد عزته وكرامته ، فيحيا حياة إنسانية حرة كريمة ويعاني كل ضروب الإذلال والقمع والإرهاب الرسمي وهو ضحية الغدر والعدوان وجماعات التكفير والإرهاب الديني يستحيل وضعه في مربع لا يمت الى قضيته السياسية الوطنية التحررية بصلة .. بل من المضحك والباعث على السخرية ان يتم التعاطي الإعلامي الساذج مع ما تسوقه سلطة الاحتلال عن ثورة الجنوب الشعبية لان من البديهيات إدراك الفارق بين جماعات الإرهاب وثورة شعب صاحب قضية سياسية واضحة وضوح شمس الظهيرة ، وبجلاء استعداد شعب للتضحية وتقديم الأرواح والدماء في سبيل الحرية والحق السياسي الجلي . بمعنى ان :
1- تنظيم القاعدة له هدف سياسي سلفوي ، يخص الأمة الإسلامية كلها ،ويعتقد بأنه يخدم الإسلام والمسلمين ويعمل على تحقيق هدف دولة الخلافة الإسلامية ، التي تظم كل العالم الإسلامي – كما هو معروف – وذلك الهدف يتعارض مع هدف الحركة الشعبية الجنوبية كحركة سياسية وطنية تنتمي الى فكر عصري يتصادم مع ثقافة وفكر القوى الماضوية – القبيلة والسلفوية التكفيرية .
2- ان قوى الحركة الشعبية الجنوبية ، تظم كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي المؤمنة بهدف الاستقلال واستعادة دولة الجنوب ، وليس في صفوفها من ينتمي الى فكر التكفير الجهادي هذا الذي كان احد صناع مأساة شعب الجنوب ومدمري دولته .
3- ان كل قوى الحركة الشعبية الجنوبية ، وهي تخوض نضالا سلميا ديمقراطيا ، تؤمن بقيم التعدد والتنوع ( = سياسيا وفكريا) والحوار الديمقراطي وبالديمقراطية كمنظومة متكاملة في نضالها الراهن ولتشكل ماهية الدولة المستقبلية المنشودة . وهذا ما لا تقبل به جماعات التطرف والإرهاب الدينية . فأنى يلتقي المتوازيان ؟؟ .
4- ان الثورة السلمية الجنوبية ، هي ثورة شعب له قضية وطنية وطن تحت الاحتلال العسكري ، ويناضل سلميا في سبيل حريته واستقلاله . ومن الإسفاف النظري واللا عقلانية ، و" الذهان السياسي " ان يتم الجمع – عبر الرتق بالتدليس – بين قضية دولة ( =جغرافيا وشعب وسيادة ) يعرف العالم كله شرعيتها وعدالتها وقانونيتها وأخلاقيتها ... الخ وجماعات إرهاب زئبقية الوجود والهدف ، تحارب العالم القائم بما هو " مجتمعات جاهلية " وكافرة ، لتطهرها بنار فكرتها المسبقة المستنبتة في مختبرات استخباراتية ، توسعت وتقوت في أحضان رعاتها ( = موظفيها اثنا الحرب الباردة ) وتضخمت حد الإتيان بالمعجزات في أساطير المجاهدين في " أفغانستان " ، فبحفنة تراب يفجر المجاهد دبابة سوفيتية !!! . وإذ يعيد الإسلام المحارب سقوط الاتحاد السوفيتي إليه ، ورسخ ذلك في وعي جماعاته وإتباعه وأنصاره فقد التفت إلى الراعي – الصديق القديم ( = الغرب وأمريكا بالذات ) وهذه الأخيرة تبنت هذا التحول أواخر أيام رئاسة بوش الأب ، ليغدو العدو البديل للخطر الشيوعي . [ عودوا الى قصة " طالبان " التي تفيد كيفية التحول ألاستخباراتي الخطأ إلى مشكلة خراب بلاد ثم حرب دولية ] .
وجدير بنا أن نذكر الإعلام العربي والمهتمين ، نذكرهم بجريمة اغتيال القيادي الاشتراكي في قاعة مؤتمر حزب الإصلاح ب " صنعاء" وكيف ولماذا نفذ القاتل جريمته بحق " جار الله عمر " ولماذا حولتها سلطة صنعاء الى قضية جنائية ؟ . من أين استقى القاتل فتواه وما هي الجهة التي كانت وراءه ... الخ ... الخ ؟ .
وفي منتصف يناير الحالي 2010م سمع العالم كله بيان مشايخ ( علماء ) السلطة في صنعاء ، والذي تضمن فتوى الجهاد ضد التدخل الأجنبي ، لان سلطة صنعاء أرادت ذلك لكن هؤلاء العلماء سكتوا على قتل النساء والأطفال بطائرة أمريكية في قرية " المعجلة " م/ أبين وقبلها وبعدها . ان شعب الجنوب ضحية الإرهاب الرسمي والجهادي ، ويشعر بالحزن والأسى ان تسوق بعض وسائل الإعلام العربية الدعاية الرسمية المضللة ، بتجاهل الحقائق التي ذكرناها – للأسف - .
*كاتب ومفكر من الجنوب العربي
*قيادي في المجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب واستعادة دولته